فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)}.
اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل أولًا على صحة البعث ثم أورد شبهة المنكرين، وأجاب عنها أورد عنهم الآن ما ذكروه على سبيل الاستهزاء طعنًا في القول بالحشر فقال: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بآياتنا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} قرأ حمزة والكسائي {ولدًا} وهو جمع ولد كأسد في أسد أو بمعنى الولد كالعرب في العرب، وعن يحيى بن يعمر {ولدًا} بالكسر، وعن الحسن نزلت الآية في الوليد بن المغيرة والمشهورة أنها في العاص بن وائل، قال خباب بن الأرت: كان لي عليه دين فاقتضيته فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد قلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم لا حيًا ولا ميتًا ولا حين تبعث فقال: فإني إذا مت بعثت؟ قلت: نعم. قال: إن بعثت وجئتني فسيكون لي ثم مال وولد فأعطيك، وقيل: صاغ خباب له حليًا فاقتضاه فطلب الأجرة فقال: إنكم تزعمون أنكم تبعثون، وأن في الجنة ذهبًا وفضة وحريرًا فأنا أقضيك ثم، فإني أوتي مالًا وولدًا حينئذ ثم أجاب الله تعالى عن كلامه بقوله: {أَطَّلَعَ الغيب أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} قال صاحب (الكشاف): أطلع الغيب من قولهم أطلع الجبل أي ارتقى إلى أعلاه ويقال مر مطلعًا لذلك الأمر أي غالبًا له مالكًا له والاختيار في هذه الكلمة أن تقول: أو قد بلغ من عظم شأنه أنه ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار، والمعنى أن الذي ادعى أن يكون حاصلًا له لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الأمرين، إما علم الغيب وإما عهد من عالم الغيب فبأيهما توصل إليه؟ وقيل: في العهد كلمة الشهادة عن قتادة هل له عمل صالح قدمه فهو يرجو بذلك ما يقول؟ ثم إنه سبحانه بين من حاله ضد ما ادعاه، فقال: {كَلاَّ} وهي كلمة ردع وتنبيه على الخطأ أي هو مخطىء فيما يقوله ويتمناه فإن قيل لم قال: {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} بسين التسويف وهو كما قاله كتب من غير تأخير قال تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] قلنا فيه وجهان: أحدهما: سيظهر له ويعلم أنا كتبنا.
الثاني: أن المتوعد يقول للجاني سوف أنتقم منك وإن كان في الحال في الانتقام ويكون غرضه من هذا الكلام محض التهديد فكذا ههنا، أما قوله تعالى: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدًّا} أي نطول له من العذاب ما يستأهله ونزيده من العذاب ونضاعف له من المدد ويقال مده وأمده بمعنى ويدل عليه قراءة علي بن أبي طالب عليه السلام {ويمد له} بالضم، أما قوله: {ونرثه ما يقول} أي يزول عنه ما وعده من مال وولد فلا يعود كما لا يعود الإرث إلى من خلفه وإذا سلب ذلك في الآخرة يبقى فردًا فلذلك قال: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} فلا يصح أن ينفرد في الآخرة بمال وولد: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94]، والله أعلم.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)}.
اعلم أنه تعالى لما تكلم في مسألة الحشر والنشر، تكلم الآن في الرد على عباد الأصنام فحكى عنهم أنهم إنما اتخذوا آلهة لأنفسهم ليكونوا لهم عزًا، حيث يكونون لهم عند الله شفعاء وأنصارًا، ينقذونهم من الهلاك.
ثم أجاب الله تعالى بقوله: {كَلاَّ} وهو ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة، وقرأ ابن نهيك: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} أي كلهم سيكفرون بعبادة هذه الأوثان وفي محتسب ابن جني كلا بفتح الكاف والتنوين وزعم أن معناه كل هذا الاعتقاد والرأي كلا، قال صاحب الكشاف: إن صحت هذه الرواية فهي كلا التي هي للردع قلب الواقف عليها ألفها نونًا كما في قواريرا واختلفوا في أن الضمير في قوله: {سَيَكْفُرُونَ} يعود إلى المعبود أو إلى العابد فمنهم من قال إنه يعود إلى المعبود، ثم قال بعضهم: أراد بذلك الملائكة لأنهم في الآخرة يكفرون بعبادتهم ويتبرءون منهم ويخاصمونهم وهو المراد من قوله: {أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40] وقال آخرون: إن الله تعالى يحيي الأصنام يوم القيامة حتى يوبخوا عبادهم ويتبرؤا منهم فيكون ذلك أعظم لحسرتهم ومن الناس من قال الضمير يرجع إلى العباد أي أن هؤلاء المشركين يوم القيامة ينكرون أنهم عبدوا الأصنام ثم قال تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] أما قوله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} فذكر ذلك في مقابلة قوله: {لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81] والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أن يكونون عليهم ضدًا لما قصدوه وأرادوه كأنه قيل: ويكونون عليهم ذلالهم لا عزًا أو يكونون عليهم عونًا والضد العون، يقال من أضدادكم أي من أعوانكم وكأن العون يسمى ضدًا لأنه يضاد عدوك وينافيه بإعانته لك عليه، فإن قيل: ولم وحد؟ قلنا: وحد توحيد قوله عليه السلام: «وهم يد على من سواهم» لاتفاق كلمتهم فإنهم كشيء واحد لفرط انتظامهم وتوافقهم، ومعنى كون الآلهة عونًا عليهم أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتها واعلم أنه تعالى لما ذكر حال هؤلاء الكفار مع الأصنام في الآخرة ذكر بعده حالهم مع الشياطين في الدنيا فإنهم يسألونهم وينقادون لهم فقال: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
احتج الأصحاب بهذه الآية على أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات فقالوا قول القائل: أرسلت فلانًا على فلان موضوع في اللغة لإفادة أنه سلطه عليه لإرادة أن يستولي عليه. قال عليه السلام: «سم الله وأرسل كلبك عليه» إذا ثبت هذا فقوله: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} يفيد أنه تعالى سلطهم عليهم لإرادة أن يستولوا عليهم وذلك يفيد المقصود ثم يتأكد هذا بقوله: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} فإن معناه إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين لتؤزهم أزًا ويتأكد بقوله: {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ} [الإسراء: 64] قال القاضي: حقيقة اللفظ توجب أنه تعالى أرسل الشياطين إلى الكفار كما أرسل الأنبياء بأن حملهم رسالة يؤدونها إليهم فلا يجوز في تلك الرسالة إلا ما أرسل عليه الشياطين من الإغواء فكان يجب في الكفار أن يكونوا بقبولهم من الشياطين مطيعين وذلك كفر من قائله، ولأن من العجب تعلق المجبرة بذلك لأن عندهم أن ضلال الكفار من قبله تعالى بأن خلق فيهم الكفر وقدر الكفر فلا تأثير لما يكون من الشيطان وإذا بطل حمل اللفظ في ظاهره فلابد من التأويل فنحمله على أنه تعالى خلى بين الشياطين وبين الكفار وما منعهم من إغوائهم وهذه التخلية تسمى إرسالًا في سعة اللغة.
كما إذا لم يمنع الرجل كلبه من دخول بيت جيرانه يقال: أرسل كلبه عليه وإن لم يرد أذى الناس، وهذه التخلية وإن كان فيها تشديد للمحنة عليهم فهم متمكنون من أن لا يقبلوا منهم ويكون ثوابهم على ترك القبول أعظم والدليل عليه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22] هذا تمام كلامه ونقول لا نسلم أنه لا يمكن حمله على ظاهره فإن قوله: {أَرْسَلْنَا الشياطين} لو أرسلهم الله إلى الكفار لكان الكفار مطيعين له بقبول قول الشياطين، قلنا الله تعالى ما أرسل الشياطين إلى الكفار بل أرسلها عليهم والإرسال عليهم هو التسليط لإرادة أن يصير مستوليًا عليه، فأين هذا من الإرسال إليهم، قوله: ضلال الكافر من قبل الله تعالى فأي تأثير للشيطان فيه؟ قلنا: لم لا يجوز أن يقال: إن إسماع الشيطان إياه تلك الوسوسة يوجب في قلبه ذلك الضلال بشرط سلامة فهم السامع لأن كلام الشيطان من خلق الله تعالى فيكون ذلك الضلال الحاصل في قلب الكافر منتسبًا إلى الشيطان وإلى الله تعالى من هذين الوجهين، قوله لم لا يجوز أن يكون المراد بالإرسال التخلية قلنا: كما خلى بين الشيطان والكفرة فقد خلى بينهم وبين الأنبياء ثم إنه تعالى خص الكافر بأنه أرسل الشيطان عليه فلابد من فائدة زائدة هاهنا ولأن قوله: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي تحركهم تحريكًا شديدًا كالغرض من ذلك الإرسال فوجب أن يكون الأز مرادًا لله تعالى ويحصل المقصود منه فهذا ما في هذا الموضع، والله أعلم.
المسألة الثانية:
قال ابن عباس: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي تزعجهم في المعاصي إزعاجًا نزلت في المستهزئين بالقرآن وهم خمسة رهط قال صاحب الكشاف: الأز والهز والاستفزاز أخوات في معنى التهييج وشدة الإزعاج أي تغريهم على المعاصي وتحثهم وتهيجهم لها بالوساس والتسويلات، أما قوله تعالى: {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} يقال: عجلت عليه بكذا إذا استعجلته به أي لا تعجل عليهم بأن يهلكوا أو يبيدوا حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة، ونظيره قوله تعالى: {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ} [الأحقاف: 35] عن ابن عباس أنه كان إذا قرأها بكى وقال: آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد دخول قبرك، آخر العدد فراق أهلك.
وعن ابن السماك رحمه الله أنه كان عند المأمون فقرأها فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد. وذكروا في قوله: {نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} وجهين آخرين: الأول: نعد أنفاسهم وأعمالهم فنجازيهم على قليلها وكثيرها.
والثاني: نعد الأوقات إلى وقت الأجل المعين لكل أحد الذي لا يتطرق إليه الزيادة والنقصان. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أَفَرَءَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بَئَآياتِنَا}.
اختلف فيمن نزلت هذه الآية فيه على قولين:
أحدهما: في العاص بن وائل السهمي، قاله جبار وابن عباس ومجاهد.
الثاني: في الوليد بن المغيرة، قاله الحسن.
{مَالًا وَوَلَدًا} قرأ حمزة والكسائي {ووُلْدًا} بضم الواو، وقرأ الباقون بفتحها، فاختلف في ضمها وفتحها على وجهين:
أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد، يقال ولَدَ ووُلْد، وعَدَم وعُدْم، وقال الحارث ابن حلزة.
ولقد رأيت معاشرًا ** قد ثمَّروا مالًا ووُلْدا

والثاني: أن قيسًا الوُلْد بالضم جميعًا، والولد بالفتح واحدًا.
وفي قوله تعالى: {لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}.
وجهان:
أحدهما: أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله على طاعته وعبادته، قاله الكلبي.
الثاني: أنه أراد في الدنيا، وهو قول الجمهور. وفيه وجهان محتملان:
أحدهما: إن أقمت على دين آبائي وعبادة ألهتي لأوتين مالًا وولدًا.
الثاني: معناه لو كنت أقمت على باطل لما أوتيت مالًا وولدًا.
{أطَّلَعَ الْغَيْبَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: معناه أعلم الغيب أنه سيؤتيه على كفره مالًا وولدًا.
الثاني: أعلم الغيب لما آتاه الله على كفره.
{أمِ أتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَن عَهْدًا} فيه وجهان:
أحدهما: يعني عملًا صالحًا قدمه، قاله قتادة.
الثاني: قولًا عهد به الله إليه، حكاه ابن عيسى.
قوله عز وجل: {وَنَرِثُه مَا يَقُولُ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الله يسلبه ما أعطاه في الدنيا من مال وولد.
الثاني: يحرمه ما تمناه في الآخرة من من مال وولد.
{وَيَأْتِينَا فَرْدًا} فيه وجهان:
أحدهما: بلا مال ولا ولد.
الثاني: بلا ولي ولا ناصر.
قوله عز وجل: {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ}.
فيه وجهان:
أحدهما: سيجحدون أن يكونوا عبدوها لما شاهدوا من سوء عاقبتها.
الثاني: سيكفرون بمعبوداتهم ويكذبونهم.
{وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أعوانًا في خصومتهم، قاله مجاهد.
الثاني: قرناء في النار يلعنونهم، قاله قتادة.
الثالث: يكونون لهم أعداء، قاله الضحاك.
الرابع: بلاء عليهم، قاله ابن زيد.
الخامس: أنهم يكذبون على ضد ما قدروه فيهم وأمّلوه منهم، قاله ابن بحر.
قوله عز وجل: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تزعجهم إزعاجًا حتى توقعهم في المعاصي، قاله قتادة.
الثاني: تغويهم إغواء، قاله الضحاك.
الثالث: تغريهم إغراء بالشر: إمض إمض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار، قاله ابن عباس.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: نعد أعمالهم عدًا، قاله قطرب.
الثاني: نعد أيام حياتهم، قاله الكلبي.
الثالث: نعد مدة إنظارهم إلى وقت الإِنتقام منهم بالسيف والجهاد، قاله مقاتل. اهـ.